الحيوان في القرآن
ورد ذِكر مجموعة من الحيوانات في القرآن الكريم؛ منها ما كانت حقيقة خَلقِه حيواناً، كحمار العُزَير، وحوت يونس، وغيرهم، ومنها ما كانت صورته الظاهرة نباتاً، كعصا موسى -عليه السلام- التي تحوّلت بقدرة الله إلى ثعبان مُبين، ومنها ما كانت حقيقة خَلقه طَيراً، كهُدهُد سليمان، أو طير عيسى -عليه السلام- الذي كان يُصوّره من الطين، ثمّ ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله -تعالى-، وقد ذكرَ القرآن الكريم بعض الحيوانات ذِكراً مُجرَّداً، أمّا البعض الآخر فقد تحدّث عن حياته في موقف أو أكثر على شكل وَمَضات سريعة، وفيما يأتي بيانٌ لقصص الحيوان في القرآن الكريم.
قصص الحيوان في القرآن
غراب ابني آدم
بعث الله -تعالى- الغراب لابن آدم ليُعلّمه كيفية دفن الموتى، وهو ما يُعدّ فرض كفاية على الناس؛ إذ قال الله -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا)، وقال: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)؛ فيجب دفن الإنسان، سواءٌ كان مسلماً أم غير مسلم، وقد يكون اختيار الله -تعالى- لهذا الطير دون غيره لأداء هذه المهمة أنّ الغربان تعلم طريقة الدفن من قبل، أو لأنّ لونه الأسود وما يسبّبه من انقباض النفس لناظره هو ما كان سبباً في اختياره لأنّ النفس تنقبض بموت الناس، ولهذا كان العرب يتشائمون به، ويرون أنّه علامة الافتراق والاغتراب، أو لأنّ الله -تعالى- أراد أن يُعلّم المسلم عدم الاستهانة بمَن كان دونه في المنزلة؛ فيتعلّم من كل ما حوله.
إقرأ أيضا:قصة اصحاب الفيلناقة صالح
بعث الله -تعالى- صالح -عليه السلام- نبيّاً إلى قبيلة ثمود، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ)، وطلبوا منه معجزة دالّة على صدق نبوّته، واختاروا صخرة صمّاء وطلبوا منه أن يُخرِج منها ناقة عُشَراء؛ أي مضى عشرة أشهر على حملها، وعاهدوه على الإيمان بما جاء به إن فعل ما طلبوه منه؛ فدعا صالح -عليه السلام- ربه بذلك؛ فتحرّكت الصخرة وخرجت منها ناقة عُشَراء كما طلبوا، وأقامت بينهم مُدّة من الزمن مع ابنها الصغير بعدما وضعته، تشرب من ماء البئر يوماً ويشربون منه يوماً آخر كما أمرهم الله -تعالى- بقوله: (قَالَ هَـذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ).
وكانوا في اليوم الذي تشرب به الناقة يحلبونها ويشربون من لبنها ويملؤون أوعيتهم وأوانيهم منه، وقد حذّرهم الله -تعالى- من أذيّتها لقوله -تعالى-: (هـذِهِ ناقَةُ اللَّـهِ لَكُم آيَةً فَذَروها تَأكُل في أَرضِ اللَّـهِ وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ)، لكنّهم لمّا رَأَوا ذلك زاد عنادهم وتكذيبهم لنبيّهم، وأرادوا أن يشربوا من ماء البئر وحدهم؛ فقرّروا قتل الناقة وأمروا أشقى القبيلة بفعل ذلك، قال -تعالى-: (إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا)،وكان صالح -عليه السلام- قد حذّرهم من قتلها أو تسبب الضرّ لها؛ فهي آية عظيمة لهم وقد ذكّرهم بنعمة سقي لبنها فلا يُقابلوا هذه النعمة التي منّ الله -تعالى- بها عليهم بالعقر، قال -تعالى-: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ نَاقَةَ اللَّـهِ وَسُقْيَاهَا)، لكنّهم كذّبوه ولم يسمعوا كلامه وقتلوا الناقة؛ فأرسل الله -تعالى- عليهم الصيحة من فوقهم والرجفة من تحتهم فلم يبقَ منهم داعياً ولا مُجيباً إذ قال -تعالى-: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا).
إقرأ أيضا:قصة النبي صالحذئب يوسف
بعدما أذن يعقوب -عليه السلام- لأبناءه بإصطحاب أخيهم يوسف -عليه السلام- معهم خرجوا به وحسب الإتفاق الذي كان بينهم قاموا بإلقاءه في البئر، لكنّ الله -تعالى- قذف في قلب يوسف -عليه السلام- بأنّه ناج ممّا هو فيه، وأنّه سيعلو شأنه ويحتاج إخوته إليه في يوم ما، وعند المساء عاد إخوة يوسف يبكون بصوتٍ عالٍ، مُتظاهرين بالحزن لِيُخبروا أباهم بأنّ الذئب قد أكل يوسف، وأنّهم كانوا منشغلين عنه بالرمي والجري بعيداً، ولِعلمهم بأنّه لن يُصدّق ما يقولون جاءوا له بقميص يوسف مُلوّثاً بالدم، لكنّ يعقوب -عليه السلام- تحقّق من كذبهم فالدم ليس دم ولده كما أنّ القميص غير ممزّق، وقد تكون فراسته هي ما كشفت له كذبهم، فما كان منه إلّا أن طلب العون من الله -تعالى- في كشف الحقيقة وإعانته على الصبر بفراق يوسف -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَجاءوا أَباهُم عِشاءً يَبكونَ * قالوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبنا نَستَبِقُ وَتَرَكنا يوسُفَ عِندَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ * وَجاءوا عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ).
حوت يونس
خرج يونس -عليه السلام- إلى البحر لِيركَب سفينة تُقِلّه بعيداً عن قومه بعد أن أصابه الغضب والضجر منهم، فركب إحدى السفن التي امتلئت بالركّاب، وبدأت السفينة بالإبحار إلى أن جاءها الموج وثقلت بمن فيها؛ فتوقّفت في عَرض البحر، وتشاور الركّاب في أزمة الثقل واتّفقوا على إجراء قرعة بينهم، ومَن أصابته القرعة ألقوه في البحر، فوقعت القرعة على يونس -عليه السلام- فلم يُنفّذوها لأنّه كان صالحاً وصاحب خُلق، إلّا أنّ القرعة كانت تُصيبه في كل مرّة، فلم يجدوا مفراً من ذلك فألقوه في البحر، وأمر الله -تعالى- حوتاً عظيماً بابتلاعه دون أن يأكل لحمه أو يكسر عظمه، ولبث -عليه السلام- في بطنه حيّاً مُسبّحاً وذاكراً لله -تعالى- داعياً أن يُنجّيه الله من الظلمات، وقد كان يعيش -عليه السلام- في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، تائباً عمّا كان منه من ترك دعوة قومه وضجره من كفرهم وعدم صبره عليهم، قال -تعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
إقرأ أيضا:بما عذب الله قوم عادوبعدما تاب الله -تعالى- عليه لكثرة صلاته وتسبيحه استجاب -عز وجلّ- دعاءه، قال -تعالى-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)، فقد أمر الله -تعالى- الحوت بقذفه على الساحل؛ فقذفه ضعيفاً عارياً يحتاج الستر والظل والطعام؛ فمَنّ الله -تعالى- عليه بنعمه، قال -تعالى-: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، فبنعم الله -تعالى- التي أحاطت به نُبذ بالعراء لكنّه غير مذموم، قال -تعالى-: (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ).
بقرة بني إسرائيل
ورد عن أكثر من واحد من السلف كابن عبّاس وعبيدة السلماني أنّه كان في بني إسرائيل رجل كبير في السنّ له مال كثير، وكان له بنو أخ يتمنّون موته لِيرثوه؛ فقتله أحدهم في الليل وتركه في الطريق وقيل: على باب أحدهم، واختصم الناس في أمره عندما علموه، وجاء ابن أخيه يصرخ فيهم، واتّفق الناس على عرض القضيّة على نبيّ الله موسى -عليه السلام- وأن يسأل الله -تعالى- فيها، ولمّا عرضوها عليه كان أمر الله -تعالى- أن يذبحوا بقرة؛ فلم يُعجبهم ذلك، وقد أخبرهم موسى -عليه السلام- أنّه لا يقول لهم إلّا ما يُوحَى إليه، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، ثمّ سألوا عن سنّها ولونها وصفاتها، ولو أنّهم ذبحوا أيّ بقرة لحصل المقصود منها.
ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله -تعالى- عليهم؛ إذ أمرهم بما كان وجوده نادراً، وذلك بأن تكون عواناً؛ أي وسطاً بين الفارض؛ أي الكبيرة، والبكر؛ أي الصغيرة، وأن يكون لونها أصفراً فاقعاً؛ أي مُشرَباً بالحُمرة، وبعد معرفتهم سنّها ولونها سألوا أسئلة أكثر عنها، قال -تعالى-: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ)؛ فضيّق الله -تعالى- عليهم بصفات البقرة أكثر، قال -تعالى-: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا)؛أي أن تكون ذلولاً يعني ليست للحراثة وسقي الأرض، وأن تكون مُسلّمة؛ أي صحيحة لا عيب فيها، وأن لا يكون فيها لون يُخالف لون الصفرة الفاقعة، ولم يجدوا بقرة بهذه الصفات إلّا عند رجل ورفض بيعها لهم في البداية، وعندما رغّبوه في ثمنها؛ إذ دفعوا بوزنها عشر مرّات ذهباً باعها لهم؛ فذبحوها وهم مُتردّدون في أمرها، قال -تعالى-: (قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)،
ثمّ أمرهم الله -تعالى- أن يضربوا القتيل ببعض البقرة؛ فقيل: بلحم فخذها، وقيل: بالعظم الذي يلي الغضروف، وقيل: بالبضعة التي بين الكتفين، ولمّا فعلوا ذلك أحيا الله -تعالى- القتيل فسأله نبيّ الله موسى -عليه السلام- عن قاتله فأخبر عنه، ثمّ عاد ميتاً، قال -تعالى-: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
الأفعى المنقلبة عن عصا موسى
كانت العصا من المعجزات العظيمة الي أيّد الله -تعالى- بها نبيّه موسى -عليه السلام- لِتكون دليلاً على صدق نبوّته، قال -تعالى-: (وَما تِلكَ بِيَمينِكَ يا موسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمي وَلِيَ فيها مَآرِبُ أُخرى)، وبقدرة الله -تعالى- وعظمته تصبح العصا حيّة عظيمة، قال -تعالى-: (قالَ أَلقِها يا موسى * فَأَلقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسعى * قالَ خُذها وَلا تَخَف سَنُعيدُها سيرَتَهَا الأولى)، وقد استطاعت هذه الأفعى ابتلاع كلّ السحر الذي جاء به سحرة فرعون، قال -تعالى-: (وَأَلقِ ما في يَمينِكَ تَلقَف ما صَنَعوا إِنَّما صَنَعوا كَيدُ ساحِرٍ وَلا يُفلِحُ السّاحِرُ حَيثُ أَتى)، وأمّا عن حجم الحيّة وسعة فمها؛ فلم يتطرق إلى ذلك القرآن الكريم؛ إذ لا فائدة تُرجى من ذلك.
نملة سليمان
أنعم الله -تعالى- على نبيّه سليمان -عليه السلام- بتعليمه لغة الطير والحيوان؛ فقد كان -عليه السلام- يفهمهم ويتحدث إليهم قال -تعالى-: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، كما وأنعم الله -تعالى- عليه بملكٍ عظيم؛ إذ جعل الله -تعالى- الأرض كلها مُنقادة له، فكان له جندٌ من الإنس والجنّ والطير، وقد نظّم أعمالهم وعيّن عليهم من يمنع تطاول بعضهم على بعض، قال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، وكان -عليه السلام- قد خرج يوماً مع جنوده فمرّ بوادي النمل، وسمع نملة تنصح بني جنسها بدخول مساكنهم حتى لا يتحطّموا تحت وطأة أقدام سليمان وجنده؛ ففهم قولها وضحك لأجله، قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا)، وفي هذه القصّة فوائد عدّة، ومنها ما يأتي:
- أدب النملة وشفقتها على بني جنسها: تظهر شفقة النملة على بني جنسها عندما أمرتهم بدخول مساكنهم حتى لا يتحطموا تحت وطأة الأقدام، وأمّا أدبها فقد كان بحسن ظنّها بسليمان وجنده؛ فهم إن حطّموها وقومها لن يشعروا بذلك ولن يكون عن عمَد منهم، وبذلك تكون النملة قد نفت الظلم عنهم، فهي لم تتهوّر في قولها بالرغم من الموقف المخيف الذي كانت ستَشهده، وكانت قادرة على التمييز بين الأبرار والأشرار.
- النهي عن قتل النمل: يظهر أنّ النمل أمّة من الأمم، يُسبّح رب العالمين بكيفية لا يعلمها إلا هو -عزّ وجل- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ، فأمَرَ بقَرْيَةِ النَّمْلِ، فَأُحْرِقَتْ، فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: أنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ)، لذا فلا يجوز قتله إلّا إذا كان مُؤذياً أو مُفسداً، وقد ورد طريق آخر للحديث السابق أنّ الله -تعالى- أوحى للرسول -صلى الله عليه وسلّم- قال: (فَهَلَّا نَمْلَةً واحِدَةً)؛ فدلّ قول رسول الله -عليه السلام- أنّ ما يؤذي يُؤذى ويُقتَل.
- تبسُم الأنبياء: كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مُبتسماً في معظم أحواله، وقد كان يضحك أحياناً ضحكاً أكثر من التبسّم وأقل من أن تبدو فيه اللهاة، وعندما يتعجّب كثيراً يضحك حتى تبدو نواجذه وهذا كان نادراً، فقد روى ابن حبان عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنّه قال:(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلَّى الفجرَ جلَس في مُصلَّاه حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ وكانوا يجلِسونَ فيتحدَّثونَ ويأخُذونَ في أمرِ الجاهليَّةِ فيضحَكونَ ويتبسَّمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، وقد تبسّم سليمان -عليه السلام- عند سماعه كلام النملة، وقد أكّد الله -تعالى- تبسّمه بقوله: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا).
- هداية الحيوانات من آيات الله: يُعدّ النمل من أهدى الحيوانات كما ذكر ابن القيم؛ فالنمل يُدرك بالشمّ ما يدركه غيره بالبصر أو السمع، كما أنّه يتميّز بعلو همّته وجرأته على نقل ما هو أضعاف أضعاف وزنه، وتحرص كلّ نملة على المصلحة العامة فلا تختلس شيئا لنفسها دون صواحباتها، ومن ذلك الكثير من الأشياء في عالم النمل، وهذا التدبير والتنظيم كلّه بهداية الله -تعالى- .
هدهد سليمان
روى ابن عباس أنّ هدهد سليمان -عليه السلام- كان مهندساً يعرف مكان الماء في داخل الأرض الفلاة*، وهو يعلم كم المسافة التي يبعدها عن وجه الأرض، وذات يوم نزل سليمان -عليه السلام- بأرض فلاة؛ فأراد الهدهد، وتفقّد الطير فلم يره فتوعّده بالعذاب الشديد إن لم يأته بعذر يوضح غيبته قال -تعالى-: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)، فقَدِم الهدهد بعد زمن يسير وأخبر سليمان -عليه السلام- بمجيئه بخبر يقين لا شكّ فيه من اليمن لم يطّلع عليه هو وجنده قال -تعالى-: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)، فأخبره عن امرأة قد أوتيت الكثير من متاع الدنيا، وكان لديها ألف فيل تحت كل فيل مائة ألف مقاتل، وبلغ عدد مستشاريها ثلاثمئة واثني عشر رجلاً، وكان عرشها عظيماً مُزخرفاً بالذهب والجواهر، وكانت تملك كل ما يحتاج إليه الملك المُتمكّن، وقد كان اسم هذه المرأة بلقيس، قال -تعالى- : (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).
وقد كان الهدهد مُتعجّباً من حال أهل سبأ؛ فقد صرفوا العبادة لغير الله -تعالى- ولم يشكروه على نعمه الكثيرة التي منّ بها عليهم، قال -تعالى- في قول الهدهد: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)، وقد أكمل -تعالى- الآيات داعياً إلى عبادة الله -تعالى- وحده والسجود له، فهو يعلم كل خبيئة في السماء والأرض، وهو الذي يرزق العباد، ويعلم ما يُسرّون وما يُعلنون من الأقوال والأفعال، فهو لا إله غيره ولا مخلوق أعظم منه فهو رب العرش العظيم، قال -تعالى-: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، ولأنّ الهدهد كان داعياً إلى توحيد الله -تعالى- فقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن قتله فقد روى النووي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلِ أربعٍ من الدوابّ : النملةُ ، والنحلةُ ، والهُدْهُدْ ، والصردُ)، ومن فوائد هذه القصة ما يأتي:
- الأنبياء لا يعلمون الغيب: كان لسليمان -عليه السلام- الملك العظيم والتمكين الذي أيّده الله -تعالى- به، وبالرغم من ذلك لم يكن على علم بحال بلقيس وقومها حتّى مع قرب المسافة بينهم، ولم يعلم ذلك حتّى أطلعه الهدهد عليه، وفي هذا إشارة على أنّ الأنبياء لا يعلمون الغيب؛ فحالهم كحال الملائكة في ذلك، قال -تعالى-: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)، وقد يكون إخفاء الله -تعالى- أمرهم عن سليمان لمصلحة لا يعلمها إلا هو.
- الحكمة ضالة المؤمن: يتعلم الكبير من الصغير أحياناً ولا بأس في ذلك، وقد يتعلّم العالم من المتعلّم إن كان مُتيقّناً من صحّة خبره وعلمه؛ فقد أحاط الهدهد بالرغم من صغره بخبر لم يُحط به سليمان -عليه السلام-؛ فالحقّ لا بدّ من كونه مقبولاً بغض النظر عمّن جاء به.
- لا ينسى المؤمن دينه أمام زخرف الدنيا وزينتها: رأى الهدهد المُلك العظيم والزخارف والنقوش الماديّة لملكة سبأ، ولم يفتنه ذلك عن واجب العبوديّة، وقد تعجّب من كفرها وكفر قومها، وحال الهدهد حال كل مؤمن قد علم الغاية من خلقه، وأيقن زوال الدنيا ومتاعها؛ إذ قال -تعالى-: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ).
- يقبل الإمام عذر رعيته ويدرأ به العقوبة عنهم: سمع سليمان -عليه السلام- خبر ملكة سبأ وقومها من الهدهد، وأراد التثبت من الخبر؛ إذ لا تُنفّذ العقوبة ما لم تَثبت التُهمة، ومعرفة ما إذا كان الهدهد يكذب لِيدفع العقوبة عنه، أو أنّه صادقٌ في دعواه فيكون عذره سبباً في نجاته، قال -تعالى-: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، وعندما تحقّق سليمان -عليه السلام- من صدق خبر الهدهد أصبح صدقه عذراً أنجاه من العقوبة.
- تفقّد الإمام أحوال رعيته: كان سليمان -عليه السلام- مُتابعاً لأحوال رعيّته ويظهر ذلك بتفقّده للطير؛ إذ إنّ كثرة إنشغاله لم تمنعه من معرفة حال الهدهد بالرغم من صغره.
فيل أبرهة والطير الأبابيل
كان أبرهة ملكاً باليمن وهو حبشيّ الأصل، وكان قد بنى كنيسة بصنعاء سمّاها القلّيس أراد أن يصرف حجّ العرب إليها، ولِكي يُحقّق ذلك نذر أن يهدم الكعبة، وعندما بدأ المسير إليها مع جيشه فخرج إليه ملك من ملوك حمير يسمّى ذو نفر ممن أطاعه قومه؛ فقاتله وهزمه أبرهة، وطلب ذو نفر منه أن يبقيه لأنّ دعمه خير له من قتله فأبقاه وسار معه، وأكمل مسيره باتّجاه الكعبة، وعندما اقترب من بلاد خثعم خرج إليه زعيمٌ يسمّى النفيل ومعه عدد من القبائل اليمنيّة وقاتلوا أبرهة فهزمهم، وطلب النفيل منه أن لا يقتله وأن يأخذه دليلاً له في أرض العرب فوافق أبرهة على ذلك، وأكمل مسيره إلى أن وصل الطائف فخرج إليه مسعود بن معتب مع رجال من ثقيف يُخبره بأنّهم عبيد عنده، وأنّ البيت الذي يَقصده في مكانٍ يسمّى مكّة وأنّهم سيبعثوا معه مَن يدلّه عليه؛ فبعثوا معه رجلاً يسمّى أبو رغال.
وكان عبد المطلب قد علم باقتراب أبرهة من مكّة فأمر قريشاً بالتفرّق في الشعاب، وتجهّز أبرهة وجيشه لدخول مكّة، وحمل على فيله ما أراد أن يحمل ووجّهه للمسير لكنّه توقف وبَرَك مكانه، فأخذوا بضربه بالمعول على رأسه وأدخلوا محاجنهم في أقرانه ومع ذلك أبى التّحرك، وكانوا إن وجّهوه ناحية اليمن هرول، وإن صرفوه ناحية الحرم توقف، وبقي كذلك حتّى وصل الفيل إلى جبل من الجبال، ثمّ أرسل الله -تعالى- طيراً كالبلسان وهو شجر كثير الورق، ويحمل كل طيرٍ منها ثلاثة أحجارٍ؛ اثنين في رجليه وواحد في منقاره، والحجر الواحد كحبّة الحمص أو العدس، وألقت الطيور هذه الأحجار على أبرهة وجنده، وما من أحد أصابته تلك الحجارة إلا هلك، فرجع من نجى منهم بسرعة وأخذوا بالتساقط في كل بلد، وأمّا أبرهة فقد أصابه الله بمرض في جسده؛ فكانت أنامله تتساقط واحداً تلو الآخر، وكان ينشئ مكان هذه الأنامل القيح والدم، حتّى وصل اليمن كفرخ الطير ثمّ مات، وسمّي هذا العام بعام الفيل، قال -تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ).
حيوانات ذُكرت على سبيل المثل
ذُكِرت بعض الحيوانات في القرآن على سبيل المَثَل، ومنها ما يأتي:
- طير إبراهيم: سأل إبراهيم -عليه السلام- ربّه عن كيفيّة إحياء الموتى، وأحبَّ أن يرى ذلك عَياناً، فأوحى الله -تعالى- إليه أن يأخذ أربعاً من الطير، فيقطعهنّ، ويخلط أجزاءهنّ، ويجعل على كلّ جبل جزءاً، ثمّ أمره -تعالى- بدعوتهم، ولمّا دعاهنّ، أخذت الأجزاء تجتمع إلى بعضها إلى أن اكتملت الطير كلّها، كلٌّ على حِدة، وأَتَته تمشي، وفي هذه المعجزة بيانٌ لإبراهيم -عليه السلام- أنّ الله -تعالى- على كلّ شيء قدير.
- حمار العُزير: ذكرت القصّة أنّ العُزير مَرّ ومعه حماره وطعامٌ له على قريةٍ خرِبَة، فتساءل على سبيل الاستغراب عن كيفيّة إحياء الله لها بعد موتها، فأراد الله أن يُرِيَه عظيمَ قدرته، فأماته مئة عام، ثمّ أحياه بعد موته، وسأله عن مدّة لبثه، فظنّ لَمّا نَظَر إلى الشمس أنّه لَبِث يوماً أو بعض يوم، إلّا أنّه لَمّا نظرَ إلى حماره، وَجَده ميتاً وقد تحلَّل لحمه، ونخرت عظامه -الأمر الذي يحتاج إلى سنوات طويلة-، أخبره ربّه أن قد لبث مئة عام، وأراه الله -تعالى- قدرته في أنّ طعامه ظلّ على حاله ولم يتغيّر، ثمّ أحيا الله -تعالى- الحمار على مرأى من ناظره؛ بأن خلقه ونفخ فيه الروح؛ فقام الحمار وعاد إلى الحياة كما كان، فعَلِم العُزير أنّ الله -تعالى- على كلّ شيء قدير.
- دابّة الأرض: أعطى الله لسليمان -عليه السلام- مُلكاً عظيماً، وكان له سُلطانٌ على الريح، والحيوانات، والجنّ، وغيرها من المخلوقات، فكانت الجنّ تعمل بأمره وتحت سُلطته، وكانت تدّعي أنّها تعلم الغيب، فأراد الله -تعالى- أن يُبيّن لهم أنّهم لا يعلمون شيئاً من الغيب؛ وقد تمثّل ذلك في أنّه تَوفّى سليمان دون أن يعلم أحد بموته؛ إذ مات مُتَّكئاً على عصاه، والجنّ كغيرهم من جنود سليمان وخدمه ينظرون إليه ويظنّون أنّه حيّ، فيعودون لينهمكوا في أشغالهم التي كلّفهم بها حتى أكلت دابّة الأرض العصا التي يقف عليها سليمان، فسَقَط سليمان، وحينها فقط تيقّن الناس أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب، وأنّهم لو كانوا يعلمون الغيب لَما لَبثوا على طاعتهم لسليمان مع عِلمهم بموته.