قصص دينية

قصة سيدنا يعقوب

قصة يعقوب عليه السلام

يعقوب عليه السلام، نبي الله الكريم، هو ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وينسب إليه بنو إسرائيل، إذ يُعرف في القرآن الكريم باسم “إسرائيل”. امتدحه الله عز وجل في كتابه، وكرّمه النبي محمد ﷺ بوصفه “الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم”. في سيرته تتجلّى معاني الصبر والتوكل، وتظهر حكمته في تربية أبنائه، خاصة في قصة فقده ليوسف عليه السلام، التي تُعد من أعظم دروس الابتلاء والثبات في تاريخ النبوة.

👥 قوم يعقوب عليه السلام – بنو إسرائيل

اتفق المفسرون على أن نبي الله يعقوب عليه السلام هو ذاته “إسرائيل” الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وينتسب إليه بنو إسرائيل الذين شكّلوا أمة كاملة من نسله. فقد أنجب يعقوب عليه السلام اثني عشر ولدًا، ومن ذريتهم تفرّعت قبائل بني إسرائيل، الذين استمر نسلهم حتى زمن النبي محمد ﷺ، بل حتى يومنا هذا.

وقد خاطب الله عز وجل اليهود في عهد النبي ﷺ مذكّرًا إياهم بما فعله أسلافهم من بني إسرائيل، لأنهم من نفس النسل، فقال تعالى:

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(البقرة: 63–65)

إقرأ أيضا:إعراض قوم عاد

هذا الربط القرآني بين يعقوب عليه السلام وبني إسرائيل يُظهر أهمية نسبه الشريف، ويؤكد أن دعوة الأنبياء كانت واحدة في أصلها، وأن الانحراف عن الميثاق الإلهي كان سببًا في العقوبات التي لحقت ببعضهم.

🌿 صبر يعقوب عليه السلام على الابتلاء

كان يوسف عليه السلام أحبّ أولاد يعقوب إلى قلبه، وأقربهم منزلةً لديه، فشاء الله تعالى أن يبتلي نبيه يعقوب بفقده، ليكون مثالًا خالدًا في الصبر والاحتساب. دبّت الغيرة في نفوس إخوة يوسف، فخطّطوا للتخلّص منه كي ينفردوا بمحبة أبيهم، فاستدرجوه بحجة اللعب، وألقوه في بئرٍ مظلمة، ثم لوّثوا قميصه بدمٍ كذب، وقدّموا الرواية المفبركة لأبيهم المفجوع.

مرت السنوات، وأصبح يوسف عليه السلام عزيز مصر، فلما جاء إخوته يطلبون الطعام، عرفهم ولم يُعرّفهم بنفسه، واشترط عليهم إحضار أخيه بنيامين. فلما عادوا به، احتال يوسف ليبقيه عنده، ففقد يعقوب ولديه العزيزين، وزاد حزنه وألمه، لكنه ظلّ رابط الجأش، ثابت الإيمان، لا ييأس من روح الله، ولا يفقد الأمل في اللقاء.

وقد طال غياب يوسف عن أبيه، فقيل إنه دام أربعين عامًا، وقيل ثمانين، ورُويت أقوال أخرى، لكن المؤكد أن يعقوب عليه السلام ظلّ في كل تلك المدة صابرًا محتسبًا، يبثّ حزنه إلى الله وحده، ويُعلّم أبناءه أن الفرج لا يأتي إلا من عند الله، وأن حسن الظن به هو مفتاح النجاة.

إقرأ أيضا:الإمام الحسين بن علي عليه السلام

👨‍👦 تربية يعقوب عليه السلام لأبنائه

في سورة يوسف، تتجلّى شخصية يعقوب عليه السلام كمربٍ حكيم ونبيٍ صادق، يُعلّم أبناءه الإيمان والتوكل، ويغرس فيهم الثقة بالله رغم المحن. من أبرز مظاهر تربيته:

  • التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: حين أمر أبناءه بدخول المدينة من أبواب متفرقة، لم يكن ذلك إلا حرصًا على الأسباب، لكنه قال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ(سورة يوسف، الآية 67)
  • بثّ الحزن إلى الله وحده: لم يشكُ لأحد، بل قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(سورة يوسف، الآية 86)
  • حسن الظن بالله وعدم اليأس: رغم طول الفراق، ظل يقول: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(سورة يوسف، الآية 87)

كانت هذه المواقف دروسًا تربوية خالدة، تُعلّم الأبناء كيف يواجهون الحياة بالإيمان والثقة والرضا بقضاء الله، وتُظهر كيف أن التربية النبوية لا تقتصر على الأقوال، بل تتجسّد في المواقف والسلوك.

📜 وصية يعقوب عليه السلام

من أعظم ما ورد عن يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم، وصيته لأولاده بالثبات على الإسلام، وهي وصية الأنبياء جميعًا، قال تعالى:

إقرأ أيضا:ما هو إسم قاتل ربع العالم
  • ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ(سورة البقرة، الآية 132)
  • ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْ…َ(سورة البقرة، الآية 133)

وصية يعقوب لم تكن مجرد كلمات، بل كانت تأكيدًا على العقيدة، وربطًا بين الإيمان والهوية، واستمرارًا لنهج التوحيد الذي سار عليه الأنبياء من قبله، وتأكيدًا على أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده منذ أول الرسالات.

⚰️ وفاة يعقوب عليه السلام

توفي نبي الله يعقوب عليه السلام عن عمر تجاوز المئة عام، وذلك بعد أن اجتمع بابنه يوسف عليه السلام بسبع عشرة سنة. وقد أوصى أن يُدفن بجوار أبيه إسحاق وجده إبراهيم عليهما السلام، في أرض فلسطين، حيث نشأ وترعرع، ليكون ختام حياته في موطن الرسالة والنبوة، بين آبائه الذين حملوا راية التوحيد.

🔚 خاتمة

يعقوب عليه السلام كان نبيًا وأبًا ومربّيًا، جمع بين الحكمة والرحمة، وبين الصبر والتوكل، وبين التربية والوصية. قصته ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي منهج حياة، ودعوة للتأمل في معاني الإيمان، والثبات على الحق، واليقين في وعد الله. رحم الله يعقوب، وجعلنا ممن يقتدي به، ويستلهم من سيرته نورًا في طريق الهداية.

السابق
قصة سعيد بن زيد
التالي
تعريف الإمام مسلم