🌸 «حديقة سانكيين»… حديقة مميزة على طراز الحدائق الياباني
جدول المحتويات
في قلب مدينة يوكوهاما النابضة بالحياة، وبين أجواء الحداثة والتاريخ، تتربع حديقة سانكيين كواحدة من أجمل الحدائق اليابانية التقليدية، حيث تمتزج الطبيعة الساحرة بالعمارة الكلاسيكية والفن الراقي. هذه الحديقة ليست مجرد متنزه، بل هي متحف مفتوح يعكس روح اليابان القديمة، ويحتضن إرثًا ثقافيًا غنيًا يمتد لأكثر من قرن. تأسست على يد رجل أعمال مثقف وفنان، لتكون ملاذًا للزوار، وملتقى للفنانين، ومصدر إلهام لكل من يبحث عن الجمال والهدوء.
📍 موقع الحديقة وطبيعتها
تقع حديقة سانكيين في حي ناكا بمدينة يوكوهاما، التابعة لمحافظة كاناغاوا، وتغطي مساحة شاسعة تبلغ 175 ألف متر مربع. تتميز بتضاريسها الطبيعية المتنوعة التي تشمل التلال والبرك والجداول، وتزدهر فيها الزهور الموسمية مثل الكرز والبرقوق، مما يجعلها وجهة مثالية على مدار العام. وقد صنفتها الحكومة اليابانية كموقع ذو جمال طبيعي خلاب، لما تحتويه من مناظر ساحرة ومبانٍ تاريخية.
🏯 المعالم البارزة داخل الحديقة
من أبرز رموز الحديقة “الباغودا” ذات الثلاثة طوابق، والتي تم نقلها من معبد توميوجي المندثر في كيوتو، وتُعد أقدم مبنى في الحديقة. تتربع على قمة تل وتطل على البركة الرئيسية، مما يمنح الزوار مشهدًا بانوراميًا يأسر القلوب.
كما تضم الحديقة فيلا “رينشونكاكو” التاريخية، التي كانت مقر إقامة لعائلة توكوغاوا، وتم تجديدها وفتحها للجمهور عام 2022 بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الحديقة. تحتوي الفيلا على غرف مزينة بلوحات فنية وأعمال نحتية من مدرسة كانو الشهيرة، وتُعد من الممتلكات الثقافية الوطنية المهمة.
إقرأ أيضا:جبل كايمون


🧵 مؤسس الحديقة: هارا توميتارو
ولد هارا توميتارو في محافظة جيفو عام 1868، وكان يُعرف سابقًا باسم آؤكي توميتارو. برع في صناعة وتجارة الحرير، وحقق نجاحًا كبيرًا في تصديره إلى الخارج، مما جعله من أبرز رجال الأعمال في عصره. كان شغوفًا بالفنون والآداب، وحرص على اقتناء المباني التاريخية ونقلها إلى أرض سانكيين التي ورثها عن جده هارا زينزابورو.
إقرأ أيضا:أنشطة الحياة اليومية في ريف اليابانفي عام 1902، بدأ هارا ببناء مسكنه في سانكيين، ثم فتح جزءًا من الحديقة للعامة عام 1906، في خطوة غير مألوفة بين رجال الأعمال آنذاك. زرع فيها الأشجار والزهور، ونقل إليها مباني تاريخية من مختلف أنحاء اليابان، لتكتمل الحديقة بشكلها النهائي عام 1922.

🌿 فتح الحديقة للعامة: رؤية هارا التقدمية
لم تكن حديقة سانكيين مجرد مشروع خاص لرجل أعمال ثري، بل كانت تجسيدًا لرؤية ثقافية وإنسانية متقدمة تبناها مؤسسها السيد هارا توميتارو، المعروف بلقب “هارا سانكي”. وُلد هارا في محافظة جيفو عام 1868، وكان يُعرف سابقًا باسم “آؤكي توميتارو”، قبل أن يتبناه آل هارا ويمنحوه اسمهم العائلي. منذ شبابه، أظهر اهتمامًا عميقًا بالفنون والآداب، ودرس الكلاسيكيات الصينية، مما شكّل خلفيته الثقافية الثرية التي انعكست لاحقًا في تصميم الحديقة.
بعد أن ورث أرض سانكيين من جده هارا زينزابورو الذي اشتراها عام 1868، بدأ هارا في بناء مسكنه هناك عام 1902، ثم شرع في مشروعه الطموح: إنشاء حديقة تجمع بين جمال الطبيعة وروعة العمارة اليابانية التقليدية. لم يكتفِ بزراعة الأشجار والزهور الموسمية، بل قام بجمع مبانٍ تاريخية من مختلف أنحاء اليابان ونقلها إلى سانكيين، ليخلق بيئة متكاملة تعكس روح اليابان القديمة.
إقرأ أيضا:القلاع الفندقية الفاخرةوفي خطوة غير مألوفة في ذلك العصر، قرر هارا فتح جزء كبير من الحديقة للعامة عام 1906، ليتيح لسكان يوكوهاما والزوار من مختلف المناطق فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة والفن، دون مقابل. هذا القرار كان ثوريًا، إذ أن معظم رجال الأعمال كانوا يحتفظون بممتلكاتهم الخاصة لأنفسهم، ولا يتم تحويلها إلى حدائق عامة إلا بعد وفاتهم. لكن هارا، بشغفه العميق بمشاركة الجمال، كسر هذه القاعدة وفتح أبواب سانكيين للناس في حياته.
زرع الحديقة بأشجار البرقوق والكرز، وأنشأ ممرات للمشي، وجهزها بمرافق ترفيهية، لتصبح متنزهًا مهمًا ومحبوبًا في يوكوهاما. واستمر في تطويرها حتى اكتملت بشكلها النهائي عام 1922، قبل عام واحد فقط من زلزال كانتو الكبير.
🖼️ موطن الثقافة الراقية: سانكيين كملتقى للمبدعين
لم تكن سانكيين مجرد حديقة طبيعية، بل كانت مركزًا ثقافيًا نابضًا بالحياة، ومكانًا يحتضن الإبداع والفن. هارا، الذي كان فنانًا في روحه، حرص على جعل الحديقة بيئة ملهمة للفنانين والمفكرين، ففتح أبواب فيلاته الخاصة لاستقبالهم، وعرض أعمالهم، وخلق مساحة للتبادل الثقافي.
في فيلا كاكوشوكاكو، التي كانت مقر إقامة هارا، عُرضت أعمال فنية رائعة لفناني النيهونغا، مثل يوكوياما تايكان ومايدا سيغون. من بين أبرز الأعمال التي زينت المكان: لوحة “في ظلال الصفصاف” ليوكوياما، و”موكب الميكوشي” لمايدا، والتي جسدت روح الفن الياباني التقليدي بأسلوب عصري.
كما استضافت الحديقة الفيلسوف واتسوجي تيتسورو، الذي كتب مذكراته “كوجي جونري – حج إلى المعابد القديمة” خلال إقامته في سانكيين، مستلهمًا من أجوائها الهادئة وتاريخها العريق.
ومن أبرز الشخصيات التي أقامت في سانكيين أيضًا، الشاعر الهندي الكبير رابندراناث طاغور، أول آسيوي يحصل على جائزة نوبل للآداب. أقام طاغور في مبنى شوفوكاكو لمدة شهرين ونصف عام 1916، وهناك كتب ديوانه الشهير “الطيور الشاردة”، الذي حمل بين سطوره تأملات مستوحاة من جمال الحديقة وسكونها.
هذا التفاعل الثقافي لم يكن صدفة، بل كان نتيجة لرؤية هارا الذي أراد أن تكون سانكيين أكثر من مجرد حديقة، بل فضاءً للإبداع، وملاذًا للفنانين، ومنصة لعرض الجمال الياباني بكل أبعاده.





🏛️ تقدير إرث هارا: من التحديات إلى الخلود
بعد عام واحد فقط من اكتمال الحديقة، ضرب زلزال كانتو الكبير مدينة يوكوهاما عام 1923، وتسبب في دمار واسع شمل العديد من مباني سانكيين. لكن هارا، بثروته وإرادته، ساهم في إعادة إعمار المدينة، وأعاد ترميم الحديقة، ليحافظ على إرثها الثقافي. توفي بعدها في سانكيين عام 1939، تاركًا خلفه حديقة لا تُنسى، ومشروعًا إنسانيًا وثقافيًا فريدًا.
لم تسلم الحديقة من أهوال الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت لأضرار جسيمة. لكن إرث هارا كان أقوى من الدمار، ففي عام 1953 تم التبرع بالحديقة لحكومة مدينة يوكوهاما، وبدأت مرحلة جديدة من الترميم والحفاظ. أعيد افتتاح الحديقة الخارجية للعامة عام 1954، ثم الحديقة الداخلية عام 1958، بعد ترميم استمر خمس سنوات.
تم إنشاء صالة سانكيين كينانكان التذكارية، وفتحت ممرات المشي، وأضيفت مرافق جديدة، لتصبح الحديقة وجهة سياحية وثقافية متكاملة. وفي عام 2007، صنفتها الحكومة الوطنية كموقع ذو جمال طبيعي خلاب، اعترافًا بقيمتها التاريخية والفنية.
اليوم، تُعد إقامة هاكونتي التي أمضى فيها هارا آخر أيامه إرثًا ثقافيًا ماديًا لمدينة يوكوهاما، وكذلك بوابة غومون التي نُقلت من سايهوجي في كيوتو، والتي تؤدي إلى الحديقة الداخلية.
لا تزال سانكيين تحتفظ بروح مؤسسها، وتعكس شغفه العميق بالفن والطبيعة، ورغبته في مشاركة الجمال مع الجميع. إنها ليست مجرد حديقة، بل قصة إنسانية ملهمة، ومثال حي على كيف يمكن للجمال أن يُخلّد صاحبه، ويمنح الناس فسحة من التأمل والسكينة.





🖼️ مركز للفن والثقافة
لم تكن سانكيين مجرد حديقة، بل كانت مركزًا ثقافيًا يستقطب كبار الفنانين والمفكرين. في فيلا كاكوشوكاكو، التي كانت مقر إقامة هارا، عُرضت أعمال فنية رائعة مثل “في ظلال الصفصاف” ليوكوياما تايكان، و”موكب الميكوشي” لمايدا سيغون. كما أقام فيها الفيلسوف واتسوجي تيتسورو، وكتب مذكراته “حج إلى المعابد القديمة”.
أما مبنى شوفوكاكو، فكان ملاذًا للشاعر الهندي رابندراناث طاغور، أول آسيوي ينال جائزة نوبل للآداب، حيث أقام فيه عام 1916 وكتب ديوانه “الطيور الشاردة”. هذا التفاعل الثقافي يعكس رؤية هارا في جعل الحديقة فضاءً للإبداع والتبادل الفكري.
🌪️ التحديات التاريخية
بعد عام من اكتمال الحديقة، ضرب زلزال كانتو الكبير مدينة يوكوهاما عام 1923، وتسبب في دمار كبير شمل العديد من مباني الحديقة. ساهم هارا في إعادة إعمار المدينة، لكنه توفي عام 1939. خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت الحديقة لأضرار جسيمة، وتم التبرع بها لاحقًا لحكومة مدينة يوكوهاما عام 1953.
أعيد افتتاح الحديقة الداخلية عام 1958 بعد ترميم استمر خمس سنوات، وتم تصنيفها كموقع ذو جمال طبيعي خلاب عام 2007. اليوم، تُعد سانكيين من أبرز المعالم الثقافية والسياحية في اليابان.
🍵 تجربة الزوار
لا تقتصر زيارة سانكيين على التجول بين الأشجار والمباني التاريخية، بل تشمل أيضًا تجربة تناول الطعام في مطاعمها التقليدية. يقدم مطعم سانكيين ساريو وجبات مثل التامبورا والصوبا، بالإضافة إلى كرات الأرز المحلاة “دانغو”. أما مطعم تايشونكان، فيشتهر بنودلز سانكي الخاصة.
كما توفر الحديقة مرشدين سياحيين متطوعين يقدمون شروحات تفصيلية عن تاريخ المكان ومعالمه، مما يعزز تجربة الزوار ويجعلها أكثر عمقًا وثراءً.
📌 معلومات الزوار
- العنوان: 58-1 هونموكو سانوتاني، ناكا-كو، يوكوهاما
- ساعات العمل: من 9:00 صباحًا إلى 5:00 مساءً (آخر دخول قبل 30 دقيقة من الإغلاق)
- أيام الإغلاق: من 29 إلى 31 ديسمبر
- رسوم الدخول:
- البالغون (16 سنة فما فوق): 700 ين
- الأطفال (6 إلى 15 سنة): 200 ين
🏁 نهاية
حديقة سانكيين ليست مجرد مساحة خضراء، بل هي مرآة تعكس روح اليابان الأصيلة، وتاريخها الثقافي والفني الغني. من الباغودا التاريخية إلى فيلا رينشونكاكو، ومن أعمال النيهونغا إلى قصائد طاغور، تقدم الحديقة تجربة متكاملة تجمع بين الجمال الطبيعي والعمق الإنساني. إنها دعوة مفتوحة لكل من يبحث عن الهدوء، الإلهام، والتواصل مع تراث عريق لا يزال ينبض بالحياة وسط مدينة يوكوهاما الحديثة.