قصص دينية

نبوة عيسى و معجزاته

✨ نبوّة عيسى عليه السلام ومعجزاته

من المهد إلى الرسالة، ومن المعجزة إلى المائدة

🕊️ المقدمة

عيسى بن مريم عليه السلام هو نبي كريم من أولي العزم، أرسله الله إلى بني إسرائيل في زمنٍ كثرت فيه الأمراض، واشتد فيه الجدل، وفسدت فيه العقيدة. فكان ميلاده معجزة، وكلامه في المهد آية، ومعجزاته شفاءً ورحمة، ودعوته توحيدًا وهداية. وقد انحرف قومه عنه، فرفعوه فوق منزلته، وادّعوا فيه الألوهية، فأنزل الله القرآن ليُبيّن الحق، ويُعيد لعيسى عليه السلام مكانته النبوية، ويُبرّئ أمّه الطاهرة من كل افتراء.

قال تعالى:

“مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ” (المائدة: 75)

👶 مولد عيسى عليه السلام

كانت مريم -عليها السلام- أمّ عيسى منقطعةً عن أهلها وقومها، تعبد الله -تعالى- حين جاءها جبريل -عليه السلام- على هيئةِ رجلٍ فدخل عليها، فخافت منه مريم -عليها السلام- فطمأنها وأخبرها أنّه لن يمسّها بسوء، ثمّ بشّرها بأنّها ستحمل في بطنها نبيّاً من أنبياء الله، ومرّت أشهر الحمل يسيرةً على مريم حتى جاء موعد الوضع، وذكر الله -تعالى- حالها عند الوضع؛ فقال: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)، ولم تتأخّر رحمة الله -تعالى- لها فأُذن لعيسى -عليه السلام- أن ينطق لحظة مولده لُيطمئنها، حيث قال الله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)، فكانت هذه هي المرة الأولى التي ينطق فيها عيسى -عليه السلام- في مهده.

إقرأ أيضا:قصة اصحاب الفيل

ذهبت مريم -عليها السلام- إلى قومها تحمل ابنها بين يديها، فأنكر عليها القوم ذلك واتهمومها بالبغاء لعلمهم أنّها لم تكن متزوّجة، ولأنّ مريم كانت صائمةً لله -تعالى- عن الكلام، فلم تُجبهم بل أشارت إلى طفلها، فأنطق الله عيسى بن مريم مرّةً أخرى مدافعاً عن أمّه ومطمئناً لها، فقال: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي).

  • مريم عليها السلام كانت منقطعة للعبادة
  • جاءها جبريل عليه السلام على هيئة رجل
  • بشّرها بحمل نبي من غير أب
  • حملت ووضعت في مكان بعيد، تحت جذع نخلة
  • قال تعالى:

“فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ…” (مريم: 23)

  • أنطق الله عيسى ليطمئنها:

“فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي…” (مريم: 24)

  • حملته إلى قومها، فاتهموها بالبغاء
  • أشارت إليه، فأنطقه الله مدافعًا عنها:

“قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ…” (مريم: 30)

📜 نبوّة عيسى وبشريّته

اتخذ النّصارى نبيّهم عيسى -عليه السلام- إلهاً لهم، عندما رأوا ما له من معجزات أيّده بها الله تعالى، فبالإضافة إلى أنّه كان يحيي الموتى ويُبرء الأكمه والأبرص بإذن الله، فإنّه كان قد وُلد دون أب، فتعلّلوا بذلك ليتخذوا عيسى -عليه السلام- إلهاً مع الله تعالى، لكنّ القرآن الكريم كان واضحاً في ذكر حقيقة عيسى -عليه السلام- في بشريّته أولاً، وفي نبوّته ثانياً، فقد قال الله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ)، فهو رسول من الله تعالى، وهو بشر هو وأمّه يأكلان الطعام كسائر البشر، وهذه المعجزات التي جاء بها كشفاء المرضى وإحياء الموتى، إنّما هي مُعجزة أيّده الله -تعالى- بها كما أيّد باقي أنبيائه بالمعجزات، وقد ورد في السنّة النبويّة ما يؤكّد نبوة عيسى -عليه السلام- بقول الرسول عليه السلام: (من شَهِدَ أن لا إله إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأنّ مُحَمَّداً عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وأن الجنةَ حَقٌّ وأن النارَ حَقٌّ، وأن البعثَ حَقٌّ أدخله اللهُ من أَيِّ أبوابِ الجنةِ شاء).

إقرأ أيضا:قصة قابيل و هابيل
  • النصارى رفعوه إلى مقام الألوهية بسبب معجزاته
  • القرآن ردّ عليهم، وأثبت بشريته ونبوّته
  • قال تعالى:

“إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ…” (آل عمران: 59)

  • وقال ﷺ:

“وأنّ عيسى عبدُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه…” (رواه مسلم)

👶 معجزات عيسى عليه السلام قبل نبوّته

آياتٌ خارقة في زمن العقل والطب

حين بُعث عيسى عليه السلام رسولًا إلى بني إسرائيل، أيّده الله بمعجزات عظيمة تناسب طبيعة عصره، الذي شهد تطورًا في الطب وانتشارًا للعلم. فجاءت معجزاته لتتجاوز حدود الطب والعقل، وتُثبت أن ما عند الأنبياء ليس من البشر، بل من رب العالمين.

قال تعالى:

“وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ…” (آل عمران: 49)

🔹 1. ولادته من غير أب

كانت ولادته بحد ذاتها معجزة، إذ خُلق من أم بلا أب، كما خلق الله آدم من غير أب ولا أم. قال تعالى:

“إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ…” (آل عمران: 59)

🔹 2. نداءه لأمه لحظة الولادة

أنطق الله عيسى عليه السلام ليطمئن أمه مريم، ويؤنسها في لحظة المخاض، فقال لها:

إقرأ أيضا:جزاء قوم عاد

“أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ…” (مريم: 24–25) وقد قيل إن النخلة كانت يابسة، وإن الوقت كان شتاءً، فكان إنزال الرطب معجزة إضافية.

🔹 3. كلامه في المهد دفاعًا عن أمه

حين حملت مريم ابنها إلى قومها، اتهموها زورًا، فكانت صائمة عن الكلام، فأشارت إليه، فأنطقه الله ليقول:

“إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا…” (مريم: 30) فكان كلامه في المهد آية عظيمة، وبراءة لأمه، وإعلانًا عن نبوّته منذ الطفولة.

🔹 أبرز معجزاته:

  • خلق من الطين كهيئة الطير شكّل عيسى عليه السلام طينًا على هيئة طائر، ثم نفخ فيه، فصار طائرًا حيًّا يطير بإذن الله.
  • شفاء الأكمه والأبرص شفى من وُلد أعمى (الأكمه)، ومن به برص، وهي أمراض لم يكن لها علاج في زمانه، وكل ذلك بإذن الله.
  • إحياء الموتى أعاد الحياة لأجساد فارقتها الروح، بإذن الله، في مشهدٍ يُذهل العقول ويُحيي القلوب.
  • إخبار الناس بما يخفون كان يُخبرهم بما يأكلون، وما يدّخرون في بيوتهم، وهو علمٌ لا يُدرك بالحواس، بل بوحيٍ من الله.

كل هذه المعجزات كانت آيات لقومه، ودعوة للتصديق، وتأكيدًا على نبوّته، لا على ألوهيته، كما زعم من غالى فيه.

🍽️ معجزة المائدة السماوية

عيدٌ من السماء، واختبارٌ للشكر واليقين

في زمنٍ شهد تطوّر الطب وانتشار الأطباء، بُعث عيسى عليه السلام بمعجزات تمسّ اختصاصهم، فكان يشفي الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ليُثبت أن قدرة الله فوق كل علم، وأن المعجزة لا تُدرك بالأدوات، بل بالإيمان.

ومن أعظم معجزاته أيضًا: إنزال المائدة من السماء. فقد أمر الله الحواريين بصيام ثلاثين يومًا تقرّبًا إليه، فلما أتمّوا الصيام، طلبوا من نبيهم عيسى عليه السلام أن يسأل الله أن يُنزل عليهم مائدةً من السماء، تكون عيدًا لهم، وفرحةً بعد العبادة، وزيادةً في اليقين.

خاف عيسى عليه السلام أن لا يُؤدّوا شكرها، فألحّوا عليه، فتوجّه إلى مصلّاه، ودعا الله دعاءً خاشعًا:

“اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (المائدة: 114)

فاستجاب الله له، وقال:

“إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ” (المائدة: 115)

وهكذا نزلت المائدة، وكانت آيةً عظيمة، وفرحةً للمؤمنين، وتحذيرًا شديدًا لمن يكفر بعدها. إنها معجزة تُجسّد رحمة الله، وعدله، واختباره لعباده في النعمة كما في البلاء.

🧠 العبر والدروس المستفادة

  • المعجزة لا تعني الألوهية، بل تأييد من الله
  • التوحيد هو جوهر دعوة الأنبياء
  • كلام عيسى في المهد براءة لأمه، ومعجزة للبشر
  • المائدة اختبار للشكر، لا مجرد طعام
  • الله يُؤيد أنبياءه بما يناسب زمانهم، فكانت معجزات عيسى في الطب
  • من رفع الأنبياء فوق منزلتهم فقد ضلّ، ومن جحدهم فقد كفر

📝 الخاتمة

عيسى عليه السلام نبيٌّ كريم، وعبدٌ لله، وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه. وُلد بمعجزة، وتكلّم في المهد، وأُيّد بآيات عظيمة، لكنه لم يدّعِ الألوهية، ولم يطلب العبادة. بل قال:

“إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ…”

فمن أراد النجاة، فليؤمن بعيسى كما أنزله الله، لا كما حرّفه الناس. وسلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيًّا.

السابق
قصة سورة البقرة
التالي
قصة ذي القرنين