📘العشق الدفين ومجنون ليلى: حين يتكلم الحب بلغة الصحراء والقصيدة
جدول المحتويات
الحب في القصص العربية القديمة لم يكن مجرد مشاعر عابرة، بل كان قدرًا يُغيّر حياة أصحابه، ويُخلّدهم في الذاكرة. في قصة “العشق الدفين” نكتشف كيف أن الصمت قد يخفي أعمق المشاعر، وفي قصة “قيس وليلى” نرى كيف أن العشق قد يتحول إلى جنون، ثم إلى أسطورة. كلا القصتين تكشفان لنا أن الحب الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، بل بالمواقف التي تُظهره حين لا يُتوقع ظهوره.
📖 القصة الأولى: العشق الدفين
في قلب البادية، كان هناك رجل متزوج من امرأة أحبها حبًا صادقًا، لكنها كانت قد تزوجت قبله وأنجبت طفلًا. ومع مرور الوقت، بدأ يشعر أنها لا تبادله المشاعر، لا تضحك، لا تتحدث، ولا تظهر أي اهتمام. راودته الشكوك بأنها تحب رجلًا آخر، أو أنها لا تكن له أي مشاعر.
في حيرته، لجأ إلى عجوز حكيمة تعيش في البادية، فقصّ عليها ما يشعر به، وطلب منها أن تساعده في كشف حقيقة مشاعر زوجته. فقالت له: “اصطد أفعى، واخيط فمها، وضعها على صدرك أثناء نومك، وعندما تأتي زوجتك لتوقظك، تظاهر بأنك ميت.”
نفّذ الرجل ما طلبته العجوز، وفي صباح اليوم التالي، جاءت زوجته لتوقظه، فرأت الأفعى على صدره وظنّت أنه مات. فصرخت على ابنها زيد، وبدأت ترثي زوجها بقصيدة مؤثرة، تكشف فيها عن حب دفين كانت تخفيه خجلًا:
إقرأ أيضا:قصة وحكمةيا زيد رد الزمل باهل عبرتي على أبوك عيني ما يبطل هميلها…
سمع الزوج القصيدة، فقام من فراشه فرحًا، وقال لها: “أنا لم أمت.” خجلت الزوجة من كشف مشاعرها، ثم غضبت لأنها شعرت بالخديعة، وأقسمت ألا تعود إليه إلا إذا نفّذ شرطين: أن يُكلم الحجر الحجر، وأن يُكلم العود العود.
عاد الرجل إلى العجوز، وأخبرها بما طلبته زوجته، فقالت له: “أحضر الرحى، فهي عندما تدور تُكلم نصفها الآخر، وأحضر الربابة، ففيها تتكلم الأعواد بعضها.” نفّذ الزوج ما طلبته العجوز، وعادت زوجته إليه، بعدما تأكدت أن حبه لها كان صادقًا، وأنه مستعد لفعل أي شيء من أجلها.
📖 القصة الثانية: قيس بن الملوّح وليلى العامرية
قيس بن الملوّح، المعروف بمجنون ليلى، كان فتىً ذكيًا، شاعرًا، حسن الخلق، نشأ في قبيلة بني عامر، وكان ابن عم ليلى العامرية. تربّيا معًا منذ الطفولة، يرعيان الأغنام، ويتشاركان اللحظات، حتى نشأ بينهما حب عذري نقي.
لكن عندما كبرت ليلى، حُجبت عن قيس، كما كانت عادة العرب، فاشتد شوقه، وبدأ يكتب فيها الشعر، ويهيم على وجهه في الصحراء. قرر أن يتقدم لخطبتها، فجمع مهرًا كبيرًا، لكن والدها رفضه، لأنه كان يعلم بعشقه لها، واعتبر ذلك عارًا على العائلة.
تقدم رجل من قبيلة ثقيف، وقدم مهرًا أقل، لكن والد ليلى وافق عليه، وزوّجها منه رغمًا عنها. رحلت ليلى إلى الطائف، وقيس لم يحتمل فراقها، فهام في الصحارى، ينشد الشعر، ويزور الأماكن التي كانت تجمعهما.
إقرأ أيضا:قصة قبل النومفي أحد الأيام، زار قيس زوج ليلى، وسأله أمام رجال قومه:
بربّك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبّلت فاها…
فأجابه الزوج: “نعم.” فقبض قيس على النار بيديه، ولم يتركها حتى سقط مغشيًا عليه.
وفي نهاية حياته، وُجد قيس ميتًا بين الصخور، وقد كتب على إحداها:
توَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِة وَالْقَفْرِ وَمَاتَ جَريحَ القَلب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ فَيا ليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
🌟 الاستفادة من القصص المذكورة
- من قصة العشق الدفين: الحب لا يُقاس بالكلام، بل بالمواقف التي تُظهره في لحظة صدق. أحيانًا، يخفي الصمت مشاعر عظيمة، ويحتاج الإنسان إلى حيلة ليكشف ما في القلب. لكن الحب الحقيقي لا يُهان بالخديعة، بل يُصان بالصدق والاحترام.
- من قصة قيس وليلى: الحب العذري هو أسمى أنواع الحب، لكنه لا ينجو دائمًا من قيود المجتمع والعادات. قيس أحب ليلى حتى الموت، ولم يطلب منها شيئًا سوى أن تبقى في قلبه. هذه القصة تُعلّمنا أن الحب لا يُشترى، ولا يُفرض، وأن من يحب بصدق قد يُجنّ، لكنه لا يخون.