🧙♂️ قصة الشاب والحكيم: بين ملعقة الزيت وجمال القصر
جدول المحتويات
في رحلةٍ طويلة، يسعى شابٌ للقاء حكيمٍ يسكن قمة جبل، باحثًا عن إجابة لحياته. لكن الحكيم لا يُعطيه الجواب مباشرة، بل يُكلّفه بمهمة بسيطة: أن يحمل ملعقة فيها قطرات زيت ويتجوّل في القصر دون أن يُسقط منها شيئًا. وهنا تبدأ رحلة الحكمة.
📖 القصة
في قديم الزمان، كان هناك شابٌ طموح، يبحث عن معنى الحياة، عن الحكمة التي تُنير له طريقه، وتُرشده في دروبه. سمع عن حكيمٍ يسكن في قصرٍ عظيمٍ على قمة جبلٍ شاهق، يُقصده الناس من كل مكان، ويُعرف عنه أنه لا يُعطي الإجابات بسهولة، بل يُعلّم من يسأله عبر التجربة.
قرر الشاب أن يشدّ الرحال إليه، فحزم أمتعته، وسار أيامًا طويلة، عبر الصحارى والوديان، حتى وصل إلى سفح الجبل، ثم صعده بصعوبة، حتى بلغ القصر المهيب. كان القصر يعجّ بالناس، كلٌّ ينتظر دوره للحديث مع الحكيم، فجلس الشاب ينتظر، حتى جاء دوره أخيرًا.
دخل إلى غرفة الحكيم، فوجد رجلاً وقورًا، مهيبًا، يملأ المكان سكونه ووقاره. جلس أمامه، وبدأ يحدّثه عن رحلته، عن بحثه، عن رغبته في أن يعرف كيف يعيش حياةً متوازنة، مليئة بالمعنى، دون أن يضيع في زحمة المسؤوليات أو يغرق في اللهو.
إقرأ أيضا:التاجر الأميناستمع الحكيم إليه بصمتٍ عميق، ثم قال له: “يا بني، ليس الآن وقت الإجابة، لكني سأطلب منك طلبًا بسيطًا، إن نفذته، عد إليّ بعد ساعتين، وسأعطيك ما جئت تطلبه.”
ناول الحكيم الشاب ملعقة صغيرة، وضع فيها بضع قطرات من الزيت، ثم قال له: “خذ هذه الملعقة، وتجول في أرجاء القصر، انظر في كل مكان، لكن إياك أن تُسقط الزيت منها. أريدك أن تعود إليّ بعد ساعتين، والملعقة كما هي.”
أخذ الشاب الملعقة، وبدأ جولته في القصر. كان يمشي بحذر، عيناه لا تفارقان الملعقة، يحرص على ألا تهتز، ألا تفرغ، ألا يُخيب أمل الحكيم. مرّ بالسجاد الفارسي، بالثريات المذهلة، بالزخارف المبهرة، لكنه لم يلتفت إليها، كان كل تركيزه على الملعقة.
بعد ساعتين، عاد إلى الحكيم، فاستقبله الأخير بسؤالٍ مباشر: “هل رأيت غرفة الطعام؟ هل أعجبتك الزخارف؟ هل لاحظت الشمعدانات الذهبية؟ هل تأملت السجاد الفارسي في الممرات؟ والثريات المعلقة في الأسقف؟”
ارتبك الشاب، وخجل، ثم قال: “لا يا سيدي، لم أرَ شيئًا مما ذكرت، كنت منشغلًا بالملعقة، خائفًا أن أُسقط الزيت، كل تركيزي كان على المهمة التي أوكلتني بها.”
ابتسم الحكيم، وقال له: “حسنًا، عد في جولة أخرى، لكن هذه المرة، انظر حولك، تأمل جمال القصر، عش اللحظة، ولا تنسَ أن تحمل الملعقة.”
إقرأ أيضا:قصة عن الصبرانطلق الشاب في جولة ثانية، وهو يحمل الملعقة، لكن هذه المرة، سمح لنفسه أن ينظر، أن يتأمل، أن ينبهر. رأى الزخارف، وتأمل السجاد، وانبهر بالثريات، وشعر بروعة المكان، وكأنه يراه لأول مرة.
عاد إلى الحكيم، وبدأ يروي له ما رأى، بحماسٍ وفرح، يصف له أدق التفاصيل، كأنما عاش تجربةً جديدة.
ابتسم الحكيم، وسأله بهدوء: “وأين قطرات الزيت التي كانت في الملعقة؟”
نظر الشاب إلى الملعقة، فوجدها فارغة. خجل، وسكت.
قال له الحكيم: “هذه هي الحكمة التي جئت تطلبها. الحياة يا بنيّ، فيها الكثير من الأحداث، الكثير من الجمال، والكثير من المسؤوليات. عليك أن تعيشها، أن تتأملها، أن تستمتع بها، دون أن تنسى ما تحمله، دون أن تُهمل واجباتك، أو تُسقط ما في يدك.”
ثم أضاف: “الحكمة ليست في أن تنشغل بالزيت وتغفل عن الحياة، ولا أن تنشغل بالحياة وتُسقط الزيت، بل أن توازن بينهما، أن تعيش واعيًا، مدركًا، مستمتعًا، ومسؤولًا في آنٍ واحد.”
خرج الشاب من القصر، يحمل الملعقة، ويحمل في قلبه درسًا لن ينساه أبدًا.
🔍 التحليل الرمزي
- ملعقة الزيت: ترمز إلى المسؤوليات، الأمانة، والهدف الذي نحمله.
- القصر: هو الحياة، بكل ما فيها من جمال، تفاصيل، وفرص.
- الجولة الأولى: تمثّل الانشغال الكامل بالواجبات دون التمتع بالحياة.
- الجولة الثانية: تمثّل الانشغال بالمتعة دون الحفاظ على المسؤولية.
- الحكمة: التوازن بين أن نعيش الحياة ونُنجز ما علينا دون أن نُهمل أحدهما.
🏁 الخاتمة: عش الحياة دون أن تُسقط الزيت
الحياة ليست سباقًا بين التركيز والانبهار، بل هي فنّ الموازنة بينهما. أن تحمل مسؤولياتك، وتُنجز أهدافك، دون أن تُغفل عن الجمال الذي يحيط بك. أن ترى الزخارف، وتُعجب بالسجاد، وتُحافظ على قطرات الزيت في الملعقة.
إقرأ أيضا:قصة قصيرة للاطفالالحكمة ليست في أن تختار بين الواجب والمتعة، بل في أن تُتقن حملهما معًا.