📘 التاجر والعفريت: الليلة الأولى من ألف ليلة وليلة
جدول المحتويات
في أولى ليالي شهرزاد مع الملك شهريار، تبدأ بسرد قصة تاجرٍ بسيط، يتحول يومه العادي إلى مواجهة مع الموت، حين يظهر له عفريت غاضب يتهمه بقتل ولده. القصة تتفرع إلى حكايات أخرى، وتُظهر كيف يمكن للوفاء، والحكمة، والتضحية أن تُغيّر مصيرًا كان محتومًا.
📖 القصة بتفصيل أدبي
في زمنٍ بعيد، كان هناك تاجرٌ من التجار، كثير المال، واسع التجارة، يسافر بين البلدان يبيع ويشتري. وفي أحد الأيام، خرج في رحلة طويلة، وتحت شمسٍ حارقة، قرر أن يستريح تحت شجرة وارفة الظلال. أخرج كسرة خبز وتمرة من خرجِه، أكلها، ثم رمى نواة التمرة بعيدًا.
وما إن سقطت النواة على الأرض، حتى ظهر له عفريتٌ هائل، طويل القامة، عيونه تقدح شررًا، وفي يده سيفٌ مسلول. صاح العفريت: “أيها التاجر، لقد قتلت ولدي، وسأقتلك كما قتلت حشاشة كبدي!” ارتعد التاجر، وسأله: “كيف قتلت ولدك؟” قال العفريت: “لقد رميت نواة التمرة، فأصابت صدر ولدي، فمات من ساعته.”
توسل التاجر إليه، وقال: “يا سيدي العفريت، لي مال كثير، ولي أولاد وزوجة، وعليّ ديون وحقوق للناس. دعني أعود إلى بلدي، أقضي ما عليّ، وأودّع أهلي، ثم أعود إليك بعد سنة، ولك عليّ عهد وميثاق أن أفي بوعدي.” وافق العفريت، واستوثق منه، ثم اختفى.
إقرأ أيضا:حوار بين حيوانينعاد التاجر إلى بلده، قضى ديونه، وزّع أمواله، وأخبر أهله بما جرى. بكوا عليه، وودّعهم، ثم حمل كفنه تحت إبطه، وخرج في بداية السنة الجديدة، متجهًا إلى البستان الذي فيه العفريت، ينتظر مصيره.
وبينما هو جالسٌ ينتحب، ظهر له شيخٌ كبير، ومعه غزالةٌ مسلسلة بسلاسل ذهبية. سلّم عليه، وسأله عن سبب جلوسه في مكانٍ يُعرف بأنه مأوى الجن. أخبره التاجر بالقصة، فتعجب الشيخ وقال: “والله، ما دينك إلا دين عظيم، وحكايتك عجيبة. سأبقى معك حتى أرى ما يجري.”
جلس الشيخ بجانبه، ثم أقبل شيخٌ ثانٍ، ومعه كلبتان سوداوان، فسأل عن الأمر، فأُخبر بالقصة، فقرر البقاء. ثم جاء شيخٌ ثالث، ومعه بغلة زرزورية، فسأل، فأُخبر، فجلس معهم ينتظر.
وفجأة، هبّت زوبعة، وظهرت غبرة عظيمة، وإذا بالعفريت يظهر من وسط البرية، عيونه تشتعل، وسيفه يلمع. جذب التاجر من بين الشيوخ، وقال: “هيا، لأقتلك كما قتلت ولدي.”
بكى التاجر، وصرخ الشيوخ الثلاثة، فتقدم الشيخ الأول، صاحب الغزالة، وقال للعفريت: “يا سيد الجان، إن حكيت لك حكايتي مع هذه الغزالة، وكانت عجيبة، تهب لي ثلث دم هذا التاجر؟” قال العفريت: “نعم، إن كانت عجيبة، وهبت لك ثلث دمه.”
فقال الشيخ: “اعلم أن هذه الغزالة هي بنت عمي، تزوجتها منذ ثلاثين سنة، ولم تُرزقني بولد. فاتخذت جارية، فأنجبت لي ولدًا كالبدر. كبر الولد، وذات يوم سافرت، فاغتنمت بنت عمي الفرصة، وكانت قد تعلمت السحر، فسحرت الولد إلى عجل، وسحرت الجارية إلى بقرة، وسلمتهما للراعي.
إقرأ أيضا:قصة علاء الدين والمصباح السحريعدت من السفر، سألت عنها، فقالت إن الجارية ماتت، والولد هرب. حزنت سنة كاملة، حتى جاء عيد الأضحى، فأمرت الراعي أن يأتيني ببقرة للذبح، وكانت هي الجارية المسحورة. فلما هممت بذبحها، بكت ونادتني، لكني لم أستجب، وذبحها الراعي، فلم نجد فيها لحمًا ولا شحمًا، فقط جلد وعظم.
ندمت، ثم أمرت الراعي أن يأتيني بعجل، فجاءني بولدي المسحور. لما رآني، قطع حبله، وتمرغ عليّ، وبكى. رقّ قلبي، وقلت للراعي: دع هذا، وائتني ببقرة أخرى.”
إقرأ أيضا:قصة فيها حكمةوهنا أدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
🧩 ما اللغز من القصة؟
اللغز في القصة يكمن في استخدام الحكاية كوسيلة للنجاة، وفي قدرة الإنسان على تحويل المصير عبر الوفاء، والتضحية، والحكمة. كما أن قصة الشيخ والغزالة تكشف كيف يمكن للغيرة والانتقام أن تُدمّر الأسر، وكيف أن السحر والظلم يُهزمان بالرحمة والحنان.
🏁 النهاية
بات الملك شهريار مأخوذًا بالقصة، متشوقًا لمعرفة ما سيحدث للعجل، وهل سيُشفى التاجر من مصيره. قرر أن يُبقي شهرزاد حيّة ليلة أخرى، ليكمل سماع الحكاية. وهكذا، بدأت رحلة الألف ليلة، حيث تُنقذ شهرزاد نفسها، وتُداوي قلب الملك، وتُعيد التوازن إلى القصر، ليس بالسيف، بل بالحكاية.