📘 قصة إيثار النبي ﷺ لأصحابه – حين قدّمهم على نفسه
جدول المحتويات
الإيثار خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو أن يُقدّم الإنسان غيره على نفسه في الحاجات والمصالح، وهو من أسمى درجات الكرم والتضحية. وقد جسّد النبي محمد ﷺ هذا الخلق في حياته اليومية، حتى صار الصحابة يتعلمونه منه بالمشاهدة والمخالطة، لا بمجرد القول. لم يكن الإيثار عنده شعارًا يُرفع، بل سلوكًا يُمارس، حتى في أشد لحظات الجوع والحاجة، فكان يؤثر أصحابه على نفسه، ويقدّم حاجاتهم على حاجته، ويُعلّمهم أن من أحبّ لأخيه ما يحب لنفسه، فقد اكتمل إيمانه.
✍️ القصة
من أبرز مواقف الإيثار في حياة النبي ﷺ، أنه جاءته امرأة وأهدت إليه بُردة، وكان في حاجة إليها، ومع ذلك، لما طلبها أحد الصحابة ليجعلها كفنه، لم يتردد النبي ﷺ في إعطائها له، رغم حاجته لها. وفي موقف آخر، أُهدي إليه رداء، فقال أحد الصحابة: “ما أجمله!”، فخلعه النبي ﷺ وأعطاه له، دون أن يُبقيه لنفسه.
وكان النبي ﷺ يدّخر التمر وغيره من الطعام لسنة كاملة، لكنه إذا جاءه ضيف أو طرأ على أحد الصحابة أمر، آثره على نفسه، حتى وإن أدى ذلك إلى نفاد ما عنده. ومن ذلك، ما حدث حين أُهدي إليه طعام وهو جائع من أبي طلحة وزوجته أم سليم، فدعا إليه الصحابة، وكان عددهم قرابة السبعين أو الثمانين رجلًا، فأكلوا وشبعوا، ثم أكل هو ﷺ بعدهم.
إقرأ أيضا:قصة هابيل و قابيلوفي موقف آخر، أُهدي إليه قدح فيه لبن، وكان جائعًا، ومع ذلك آثر به أهل الصُفّة، وهم فقراء الصحابة الذين لا مأوى لهم، وكان معهم أبو هريرة رضي الله عنه، فشربوا جميعًا حتى شبعوا، ثم شرب النبي ﷺ آخرهم. وقد روى أبو هريرة هذا الموقف بتأثر، لأنه كان يتوقع أن النبي سيشرب أولًا، لكنه آثرهم جميعًا، وكان آخر من شرب.
وكان النبي ﷺ يحثّ على الإيثار، ويُثني على من يتصف به، فقال عن الأشعريين: “إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم” (رواه البخاري ومسلم). وهذا يدل على أن الإيثار ليس فقط خلقًا فرديًا، بل سلوكًا جماعيًا يُبنى عليه المجتمع المسلم.
📚 ما يعين على الإيثار
الإيثار لا يُولد فجأة، بل يُبنى في النفس بالتربية والإيمان، ومن الأمور التي تعين المسلم على الاتصاف به:
- الإقبال على الآخرة، والبُعد عن التعلّق بالدنيا، فكلما عظُمت الآخرة في قلبه، هانت عليه الدنيا بما فيها
- تعظيم حقوق الناس، وتقديم حاجاتهم على رغبات النفس
- تعويد النفس على الصبر، والتدرّب على التضحية
- حب مكارم الأخلاق، والسعي إلى معاليها، فالإيثار من أشرفها
- إدراك أن الإيثار علامة على حسن الظن بالله، وأن من يؤثر غيره، فإن الله لا يضيّعه
📚 أهمية الإيثار
الإيثار ليس مجرد خلق حسن، بل هو طريق إلى الكمال الإيماني، كما قال النبي ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (رواه البخاري ومسلم). وقد أثنى الله تعالى على المؤثرين، فقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (سورة الحشر، الآية 9) فجعلهم من أهل الفلاح، وسببًا للبركة في المال والطعام، ومصدرًا للمحبة بين الناس، والتكافل، والتعاون، والألفة. كما أن الإيثار يُنقّي النفس من البخل والطمع، ويُنمّي فيها الرحمة، وحب الخير للآخرين، ويجعل الإنسان محبوبًا في حياته، ومذكورًا بخير بعد مماته.
إقرأ أيضا:قصص الحيوان في القرآن🔚 الخاتمة
قصة إيثار النبي ﷺ لأصحابه ليست موقفًا عابرًا، بل منهج حياة، وسلوك نبوي متكرر، يُعلّمنا أن القيادة الحقيقية تبدأ بالتضحية، وأن من أراد أن يُحبّه الناس، فليُقدّمهم على نفسه. لقد جسّد النبي ﷺ الإيثار في كل لحظة، حتى في الجوع، وحتى في الحاجة، فكان يعطي، ويُكرم، ويُفضّل غيره، وهو أولى الناس بالفضل. فلنقتدِ به، ولنُربّي أنفسنا على هذا الخلق العظيم، الذي به تُبنى المجتمعات، وتُصان القلوب، وتُرفع الدرجات عند الله.