🕊️ فاعل المعروف لا يُخذل: قراءة في قصة جابر عثرات الكرام
جدول المحتويات
✨ المغزى الأخلاقي والفلسفي
قصة “جابر عثرات الكرام” ليست مجرد حكاية عن الكرم، بل هي مرآة تعكس فلسفة عميقة في الأخلاق الاجتماعية:
- الجزاء من جنس العمل: خزيمة الذي كان كريمًا في أيام غناه، لم يُترك في محنته، بل جاءه الفرج من حيث لا يحتسب.
- الكرم الخفي: عكرمة الفياض لم يرد شهرة ولا جزاء، بل فعل الخير متخفيًا، مما يرفع من قيمة فعله ويجعله أقرب إلى الإيثار النقي.
- الاعتراف بالجميل: حين عرف خزيمة أن من أنقذه هو عكرمة، لم يكتف بالاعتذار، بل أراد أن يعاقب نفسه، في مشهدٍ نادر من التواضع والندم النبيل.
🧭 رمزية الشخصيات
الشخصية | الرمز الأخلاقي أو الفلسفي |
---|---|
خزيمة بن بشر | الكرم الذي يُختبر بالفقر |
عكرمة الفياض | الفاعل الخفي للخير، رمز الرحمة |
سليمان بن عبد الملك | السلطة التي تُنصف وتُكرم الفضل |
🕯️ جابر عثرات الكرام
في زمن الخليفة سليمان بن عبد الملك، كان في قبيلة بني أسد رجل يُدعى خزيمة بن بشر، عُرف بين قومه بالكرم والمروءة، لا يُرد له سائل، ولا يُقصى عنده فقير. كان رزقه واسعًا، ويده سخية، يطعم الجائع، ويكسو العاري، ويواسي المهموم.
إقرأ أيضا:فلفول زعيم الفيلةلكن الأيام لا تدوم على حال، فقد خسر خزيمة ماله، وتبدلت أحواله، وانفضّ عنه القوم الذين كانوا يحيطون به في رخائه. ضاقت عليه الدنيا، فأغلق بابه على نفسه، ينتظر الموت في صمتٍ وانكسار.
وفي تلك الأيام، كان والي الجزيرة رجلًا يُدعى عكرمة الفياض، سُمّي بالفياض لفيض كرمه وسخائه. وبينما هو في مجلسه، ذُكر له حال خزيمة، فاهتم لأمره، وسأل عن حاله، فقيل له: “قد أصبح في ضيقٍ شديد، لا مال له ولا صاحب”.
فما كان من عكرمة إلا أن جمع أربعة آلاف دينار، وركب فرسه في الليل، متلثمًا لا يُعرف، حتى بلغ بيت خزيمة، وطرق بابه. فتح خزيمة الباب، فناولَه الرجل كيس المال، وقال له: “خذ هذا، أصلح به حالك”. فسأله خزيمة: “من أنت؟”، فأجابه: “أنا جابر عثرات الكرام“، ثم انطلق على فرسه واختفى في الظلام.
دخل خزيمة على زوجته، فرحًا متهللًا، وقال لها: “أبشري، لقد فرّج الله علينا!”، وسدد ديونه، وأصلح أمره، ثم قرر أن يشكر الخليفة سليمان، فسافر إليه في فلسطين.
حين دخل خزيمة على الخليفة، سأله سليمان عن سبب غيابه، فأجابه: “ضاقت بي الحال، لكن الله أرسل إليّ جابر عثرات الكرام“. فاشتد شوق الخليفة لمعرفة هذا الرجل، وأمر بتعيين خزيمة واليًا على الجزيرة، خلفًا لعكرمة.
إقرأ أيضا:حكاية بائعة الكبريتوصل خزيمة إلى الجزيرة، وتولى الحكم، وبدأ بمحاسبة الوالي السابق، فوجد عليه ديونًا كثيرة، فأمر بحبسه وتكبيله بالسلاسل. ولم يكن يعلم أن هذا الرجل هو من أنقذه يوم ضيقه.
سمعت زوجة عكرمة بما جرى، فذهبت إلى خزيمة، وقالت له: “هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟!”، فصُدم خزيمة، وقال: “واسوأتاه! أهو غريمي؟!”
أسرع خزيمة إلى السجن، وفك قيود عكرمة، وقبّل رأسه، وأمر أن تُوضع القيود في رجليه هو، ليذوق ما ذاقه صاحبه، لكن عكرمة رفض، وأقسم عليه ألا يفعل.
ذهبا معًا إلى الخليفة سليمان، فقال له خزيمة: “لقد وجدت جابر عثرات الكرام“، فسأله الخليفة: “من هو؟”، فأجابه: “إنه عكرمة الفياض“.
فأكرمه الخليفة، وأعطاه عشرة آلاف دينار، وعيّنه واليًا على الجزيرة، وأذربيجان، وأرمينيا، وظل يعمل مع خزيمة في خدمة الدولة، حتى نهاية خلافة سليمان.
🪶 الأسلوب السردي
القصة تعتمد على:
- التدرج الدرامي: من الغنى إلى الفقر، ثم من الفرج إلى السلطة، مما يجعل القارئ مشدودًا إلى تطور الأحداث.
- المفارقة: خزيمة يعاقب من أنقذه دون أن يدري، مما يخلق توترًا أخلاقيًا يُحلّ في النهاية بالاعتراف والصفح.
- الحوار الرمزي: عبارة “أنا جابر عثرات الكرام” تحمل وزنًا كبيرًا، فهي ليست مجرد تعريف، بل إعلان عن مبدأ.
🌿 صلة بالقيم العربية والإسلامية
القصة تتناغم مع مفاهيم مثل:
إقرأ أيضا:قصة مسلسل روبي- الستر في العطاء: “صدقة السر تطفئ غضب الرب”
- الوفاء ورد الجميل: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”
- الكرامة في الشدة: خزيمة لم يطلب المساعدة رغم حاجته، مما يعكس عزة النفس.
🔍 دعوة للتأمل
هل نحن اليوم نُجيد جبر العثرات؟ وهل نُكرم من أسدى لنا معروفًا دون أن نعرفه؟ القصة تطرح سؤالًا وجوديًا: هل الخير يُفعل لوجه الله، أم لوجه الناس؟ وهل من يفعل المعروف في زمن الجحود، سيجد من يرد له الجميل؟