بماذا أهلك الله قوم مدين

📜 قوم مدين ونبيهم شعيب عليه السلام: دعوة للعدل وثمن الغش

أرسل الله عز وجل رسله هدىً ورحمة للناس ليخرجوا من ظلمات الجهل والفساد إلى نور التوحيد والعدل. ومن هؤلاء الرسل نبي الله شعيب عليه السلام، الذي بعثه الله إلى قوم مدين لينههم عن الغشّ في الأوزان والاحتيال، ويدعوهم إلى التجارة النزيهة والعبادة الصحيحة. إلا أن طغيانهم ورفضهم الحقّ أوصلهــم إلى خسارةٍ قاسيةٍ في الدنيا قبل الآخرة.

🧭 نبذة بسيطة

قوم مدين هم عرب بائدة سكنوا شمال غرب الجزيرة العربية قرب البحر الأحمر، أسّسوا مدائن صالح المنحوتة في الصخر، واشتهروا برعي الغنم وملاءمة التجارة، إلا أن رياح طمعهم في الربح خيّمت عليهم بالغشّ في الموازين. أرسل الله إليهم شعيبًا عليه السلام من بينهم، فدعاهم للعدل والإخلاص، فواجه الإعراض والتعنّت حتى حلّ بهم عذابه المحدّث في القرآن.

📖 القصة

تعد قبيلة مدين من القبائل العربية القديمة التي عاشت في الجهة الشمالية الغربية من الجزيرة العربية، وقد اكتُشِفت آثار مساكنهم المنحوتة بالصخر بالقرب من محافظة البدع في منطقة تَنُّوف. كانوا تجّارًا ورُعاة غنم، وأطلق عليهم أصحاب الأيكة نسبةً لعبادتهم لشجرة الآيك. اشتُهر تجارهم بالغشّ في الأوزان والمكاييل، فأرسل الله لهم نبيّه شعيب بن ميكيل بن يشجن من بينهم، ليبيّن لهم وجوب العدل والإخلاص في التجارة وينهاهم عن الاحتيال. دعاهم شعيب عليه السلام مرارًا إلى ترك الغشّ وإقامة الموازين الصحيحة والالتزام ببيع البضائع حقًّا وسوقها بكل أمانة، وحذّرهم من أن لا يعودوا لما كان عليه أحفاد عاد وقوم لوط وسائر الأقوام المعرّضة لعذاب الله. رفضوا نصائحه وسخروا من ضرير بصره، فصبر عليهم شعيب طويلًا. وعقابًا لهم أخذتهم الصيحة فجاءتهم في منازلهم جاثمين هامدين، بينما نجّا الله شعيبًا والمؤمنين معه برحمته، كما ذكر الله في كتابه: «وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةَ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (هود: 94).

📌 فوائد وعبر

• التجارة لا تصحّ إلا بالعدل والإخلاص، والغشّ يجرّ صاحبه إلى الخسران والعقاب.
• الأنبياء – عليهم السلام – صابرون على تكذيب الأقوام وتعنّتهم، ويعلمونهم طريق الحقّ بالحكمة والموعظة.
• سنّة الله في إنزال العذاب لا تنسخها المهرجانات ولا التهويل، بل ينزل الحقّ على المكذبين.
• الصيحة التي أنهكت الظالمين كانت عبرةً لكل أمةٍ تتجاوز حدود الشرع والفطرة السليمة.
• نجاة المؤمنين مع نبيهم ترمز إلى أن الإيمان يفتح أبواب الرحمة قبل أبواب العقاب.

📚 معلومات إضافية

🏁 الخاتمة

تظلّ قصة قوم مدين ونبيهم شعيب عليه السلام درسًا بليغًا في أمانة التجارة والابتعاد عن الغشّ، وفي صبر الرسول على دعوته وتضيّع القلوب المتكبّرة. لتكن عبرتهم ذخيرةً لكل تاجرٍ ومسلمٍ، حتى يُصلِح الله أحوالنا ويرزقنا الصدق في القول والميزان، ويجنبنا عاقبة المجرمين والطغاة.